عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
محاضرة بعنوان قيام الليل
3722 مشاهدة
الأدلة على فضل قيام الليل

فأحب -في هذه الأمسية المباركة- أن أذكر شيئا من الأدلة على فضل قيام الليل، ومعناه، وكذلك –أيضا- على كيفيته.
قيام الليل يراد به: التهجد الذي أمر الله به نبيه -صلى الله عليه وسلم-؛ فقال تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا هكذا وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ ؛ أي: تهجد بالقرآن الذي أنزله الله تعالى عليك. يقول تعالى: فَتَهَجَّدْ بِهِ ؛ أي: بهذا القرآن. أخبر بأنه ينزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين، وأن المصلين مأمورون بأن يتهجدوا بهذا القرآن؛ فالتهجد: هو الصلاة في الليل.
وقال الله تعالى في صفة عباد الرحمن: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا إلى قوله: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا يَبِيتُونَ ؛ يعني: يقطعون الليل. يقطعون ليلهم في هذا العمل سُجَّدًا وَقِيَامًا اقتصر على السجود؛ لأنه أفضل أركان الصلاة، ثم على القيام؛ لأنه أطولها. والسجود فيه: الدعاء، والذكر. والقيام فيه: قراءة القرآن، وفيه التأمين على قراءة الفاتحة. هكذا مدحهم أنهم يَبِيتُونَ ؛ يعني: ليلهم كله في هذا التهجد. يبيتون سُجَّدًا وَقِيَامًا .
ثم ذكر فضلهم، وذكر جزاءهم، فقال في آخر الآيات: أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا هذا جزاؤهم وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً الغرفة: جنس الغرف -يعني- الغرف المبنية في الجنة غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ جعلها الله تعالى مساكن لعباد الرحمن، وجعل من أعمالهم هذا القيام الذي هو أنهم يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا .
وهكذا –أيضا- وصفوا في آية أخرى بقوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ الهجوع: هو النوم –يعني- لا ينامون إلا قليلا، لا ينامون في الليل إلا جزءا يسيرا بقية الليل، ماذا يفعلون؟ يصلون، ويتهجدون، ويركعون ويسجدون، ويتلذذون بهذه الصلاة التي يحبها الله تعالى.
وإذا كان في آخر الليل جلسوا يستغفرون –أي- يستغفرون ربهم، يُحسون بأنهم لم يقوموا بما يلزمهم، كأنهم مذنبون في ليلهم؛ فيختمون ليلهم بالاستغفار كما أمروا بذلك، أو كما مدحوا بذلك في آية أخرى؛ ففي قول الله تعالى: الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ؛ يعني: أنهم في آخر الليل يستغفرون. كيف ذلك مع أنهم طوال ليلهم وهم يصلون؟ إذا جاء في آخر الليل يقولون: ربنا اغفر لنا.. ربنا اغفر لنا.. ربنا اغفر لنا. نستغفرك ونتوب إليك من تقصيرنا ومن إساءتنا ومن نقصنا. هكذا كانت حالتهم؛ ليلهم في تهجد، وآخر ليلهم في استغفار. هذا -بلا شك- مدح لمثل هؤلاء.
كذلك أيضا ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر أفضل الأعمال فقال: الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، وقرأ قول الله تعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ جزاؤهم على أعمالهم هذا الجزاء الأوفى فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ لا يعلم أحد ما جزاؤهم عند الله تعالى؛ حيث أخفى جزاءهم فلا يعلمونه إلا بعدما يشاهدونه مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .
من عملهم: أنهم إذا تتلى عليهم آيات ربهم يخرون عليها. يخرون: يسجدون خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ .
ثم ذكر أنهم تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ – أي- ما تطمئن على الفرش، يتقلبون من جنب إلى جنب، ثم مع ذلك يقومون إلى الصلاة، لا يهنؤهم النوم.
ذكر عن كثير منهم أنه كلما اضطجع وجلس على فراشه ربع ساعة أو نصف ساعة وهو يتململ قام وكبر وصلى، ثم إذا سئم جاء واضطجع ولا يهنأه النوم؛ حتى يقوم مرة أخرى فيصلي. هكذا تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ –أي- تمل من المضجع ولا تريده؛ ولو كان فراشا وطيئا؛ ولو كان فراشا لذيذا، وما ذاك إلا أنهم يحسون بأن الصلاة التي يقومون إليها ويصلونها أنها لذتهم؛ فلذلك لا يهنأهم النوم.
كذلك أيضا ورد في الأحاديث أدلة كثيرة تفيد الحث على الصلاة في الليل، والتهجد، وذكر حالة المتهجدين، زيادة على ما ذكر الله تعالى في مثل هذه الآيات الكريمات.
ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أول ما قدم المدينة سمعه عبد الله بن سلام أول ما سمع منه أنه قال: أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام.. تدخلوا الجنة بسلام يعني: أن صلاتك إذا هجع الناس حولك وأخذوا مضاجعهم، وقمت تصلي فإن ذلك من أشرف الأعمال؛ حيث إنك انفردت بهذا العمل دون غيرك ممن حولك صلوا بالليل والناس نيام .
وكذلك ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين وهذا خير كثير، مجرد أنك تقوم الليل؛ ولو لم تقرأ إلا عشر آيات، عشر آيات فقط من القرآن في ليلتك، وفي صلاتك لا تكتب من الغافلين؛ فإن الغافلين.. هم الذين حرموا من فضل الله تعالى، وحرموا من أداء هذه العبادة.
كذلك أيضا ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رحم الله رجلا قام من الليل، وأيقظ امرأته؛ فإن أبت نضح في وجهها الماء. رحم الله امرأة قامت من الليل، وأيقظت زوجها؛ فإن أبى نضحت في وجهه الماء –يعني- من باب التنشيط، يعني: أنه قد يكون متثاقلا في النوم، فإذا صُب على وجهه الماء؛ فإنه يزول عنه النعاس، ويزول عنه الكسل؛ ويقوم نشيطا -بإذن الله تعالى-. هذا من فضل الله.. أنه يستحق الرحمة إذا أقام امرأته، أو أقامت زوجها.
وورد –أيضا- في حديث آخر أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا قام الرجل من الليل، وأيقظ امرأته، فصليا، كتبا من القانتين والقانتات -أي- كتب الله تعالى لهم هذا الأجر؛ وذلك لأنهما يتعاونان على الخير، يساعد الرجل امرأته، فيقوم وتقوم معه، وكل منهما يصلي؛ فيكونان بذلك من القانتين الذين مدحهم الله في قوله تعالى: وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ إلى قوله: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا .
فنقول: لا شك أن هذه الأدلة الواضحة تفيد أن قيام الليل والصلاة فيه من أفضل القربات، وأشرف الأعمال.